فوائد
التخريج
إن الفوائد التى نجتنيها من التخريج هى كثيرة متنوعةلا
تقع على حصر، فكلما خرّج الباحث اتضحت له بعض الفوائد، وبعضها يتعلق بالسند،
وبعضها يتعلق بالمتن، وبعضها يتعلق بهما معاً، و سأذكر هنا أهمّها وهي:[1]
أولا - فوائده للسند :
1. الوقوف على عدد كبير من أسانيد الحديث، وطرقه فى مصادره
المختلفة، مما يكشف عن أحوال السند : من الاتصال، والانقطاع، والإعضال، والرفع،
والوقف.وعن أنه متواتر، أو آحاد، ثم أنه غريب، أو عزيز، أو مشهور، أو غيرها
.
2. تقوية سند الحديث: وذلك بأن يكون لدينا – مثلاً – حديث
بسند ضعيف، فخرجناه من كتب الحديث، فاطلعنا له على أسانيدأخرى أحسن حالاً منه، مما
اكتسبه قوة، فرقّاه من الضعيف الخفيف الضعف إلى الحسن لغيره، أو من الحسن لذاته إلى
الصحيح لغيره.
3. معرفة درجة الحديث: وذلك لأن الحديث المطلوب تخريجه إذا
وُجد فى الصحيحين، أو فى أحدهما، أو فى كتاب التزم صاحبه برواية الحديث الصحيح فيه
مثل صحيح ابن خزيمة وأمثاله، أو في كتاب يحكم صاحبه على الحديث بالصحة، أو الحسن،
أو الضعف مثل جامع الترمذي، والمستدرك للحاكم، وشرح السنة للبغوى، وغيرهم من أئمة
الحديث، فنعرف به درجة ذلك الحديث دون عناء كبير.
4. تمييز المهمل[2] من
الرواة : مثل إذا جاء فى سند الحديث عن الوليد، أو عن محمد، أو عن سفيان مثلاً،
فإذا خرّجناه من مصادر أخرى فربما نقف على إسناد آخر له جاءت فيه هذه الأسماء
المهملة مع نسبها، أو نسبتها، أو لقبها، أو كنيتها، أو غير ذلك من المميزات، فبذلك
يتميز ذلك المهمل عن سمَيّه.
5. تعيين المبهم[3] من
الرواة : مثل إذا جاء فى سند الحديث : حدثنى "ثقة"، أو عن
"رجل"، أو عن "شيخ" مثلاً، فربما بتخريجه من مصادر أخرى نطّلع
على طريق له جاء فيه ذلك الراوى معنياً.
6. زوال احتمال التدليس فى عنعنة المدلس[4] :
وذلك بأن نحصل التّخريج على طريق آخر له صرح فيه ذلك المدلس ما يفيد السماع مثل أن
قال : "حدثنا"، أو "أخبرنا"، أو
"سمعت"، أو نحو ذلك.
7. زوال احتمال وهم الشيخ المختلط[5] فى
روايته للتلميذ الذى سمعته منه بعد اختلاطه : ويتم ذلك بواسطة تخريج ذلك الحديث،
فإنه ربما يُطَّلَع على متابع لذلك الراوى، سمع من المختلط قبل اختلاطه، مثل أبى
إسحاق السبيعى فإنه شيخ اختلط فى آخر عمره، سمع منه أبو الأحوص بعد اختلاطه، وسمع
منه شعبة وسفيان الثورى قبل ذلك، فإذا روى عنه أبو الأحوص حديثاً تابعه علية شعبة،
أو سفيان، أو كلاهما، فهذا يعنى أن أبا إسحاق السبيعى لم يَهِم فى روايته هذا
الحديث لأبى الأحوص.
ثانيا - فوائده للمتن :
1. معرفة المقصود الذى سبق لأجله الحديث : وهذا لا يتأتى
بالنظر إلى حديث واحد فى الموضوع فقط، لعدم اشتماله على ما يفيد الحكم المقصود –
مثلاً -، بل يجب أن
يخرّج الحديث من كتب أخرى، ويجمع ألفاظه المختلفة، فربما يجد فى بعضها زيادة أو
زيادات تفيد الحكم المقصود لدى الشارع، أو توضيح معنى الحديث.
2. ومعرفة سبب ورود الحديث، أو الظروف التى قيل فيها : من الأحاديث
ما يبدو عاماً ودائماً، غير مبنى على سبب، أو غير مرتبط بعلة، أو غير مرعية فيه
ظروف زمانية أو مكانية، ولكننا إذا جمعنا طرقه المختلفة، وألفاظه فربما نقف على
سبب له أو علة، أو ظروف وملابسات فى مصدر من المصادر، فيتحدد به المراد من الحديث
بدقّة، ولا يتعرض لشطحات الظّنون، أو الجرى وراء ظاهر غير مقصود.
ثالثا - فوائده للسند والمتن
معاً :
1. معرفة المصدر أو مصادر الحديث : وذلك لأن البحث عن ذلك
الحديث فى كتب الحديث، وتخريجه منها سيتيح له معرفة مصدره، أو مصادر لذلك الحديث،
وأماكنه فيها.
2. معرفة علة قادحة فى السند أو المتن : يُعرَف ذلك من خلال
تخريج الحديث من كتب أخرى، والاطلاع على أسانيده وألفاظه المختلفة.
معرفة الخلل فى سند الحديث أو متنه من التحريف أو
التصحيف بالتخريج، ثم بالرجوع إلى كتب الأنساب والمؤتلف والمختلف وكتب الغريب
وغيرها.
[1]انظر،
نظرات في علم التخريج، توفيق أحمد سالمان، ص 20-22.
[2]المهمل من الرواة: هو من ذُكِرَ اسمه دون ما يُمَيِّزه عن سَمِيّه من نَسَبٍ، أو نِسْبَة، أو
كنية، أو لقب، أو غير ذلك من المميزات.
[3]المبهم من الرواة: هو من لم يذكر اسمه، أو ما اشتهر به من لقب، أو نسب، أو نسبة، أو كنية، أو غير
ذلك من المعرّفات.
[4]المدلّس: هو من ثبت
سماعه من شيخ، فيروي عنه ما لم يسمعه منه، بلفظ محتمل لسماعه منه ذلك الحديث،
ومحتمل لعدم سماعه منه ذلك، مثل أن يقول: "عن فلان"، أو "أن فلاناً قال"، أو "قال فلان". ومن المقرر أن عنعة المدلس وما
شابهها غير مقبولة، إلا إذا صرح في طريق آخر بما يفيد السماع فتقبل. انظر: تدريب
الراوي للسيوطي:1/223.
[5]الاختلاط: فساد عقل
الراوي وضعف ذاكرته بحيث لا تنتظم أقواله وأفعاله، إما بخرف، أو ضرر، أو مرض، أو
عرض من موت ابن، أو من سرقة مال، أو ذهاب كتب، أو احترافها. وحكم راوية المختلط أن يُقبل من حديثه ما رواه مَن سمع منه قبل الاختلاط
وتغيُّره، ولا يُقبل حديث من أخذ عنه بعده، أو أُشْكِل أمرُه، فلم يُعْلَم هل أنه
أخذ عنه قبل الاختلاط أم بعده. انظر: تدريب الراوي للسيوطي: 2/371-372.
No comments:
Post a Comment