Friday, March 30, 2012

الأسباب التي تدعوا المؤلف في تخريج الأحاديث الواردة في كتاب مفاهيم يجب أن تصحح

الحمد لله الذي أنزل في محكم كتابه  المبين "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون " ، وقال جل ذكره : "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " .
       وصلى الله وسلم وبارك على إمام الموحدين وخاتم النبيين الذي أخرج الله به من سبقت سعادته من ظلمات الشرك والضلال إلى نور التوحيد والسنة  ، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، وحمى به جناب التوحيد وسد كل الذرائع إلى الشرك ، فكان مما أعلن لأمته وأبان من سنته " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وصحبه أجمعين .أما بعد:

الله سبحانه وتعالى أمرنا في كتابه الكريم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج أمرا مجملا عاما دون التعرض للتفصيل والبيان فجاءت السنة الشريفة موضحة ومبينة لعدد الصلوات وعدد ركعاتها وأوقاتها وشروطها وبينت الزكاة وأنواعها ومقاديرها إلى غير ذلك من كيفية العبادة المفروضة والنفلية، من هذا تتضح لنا أهمية السنة من الدين ويتكشف لنا مكر أعدائنا وحقدهم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين ما جاء في القرآن الكريم، والصحابة يقبلون ذلك منه، لأنهم مأمورون باتباعه وطاعته، ولم يخطر ببال امرىء منهم أن يترك قول رسول الله عليه الصلاة والسلام أو فعله، وقد عرفوا ذلك من كتاب الله تعالى، ففيه " إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْه اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [1] وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ[2] مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ.[3] فتقبل المسلمون السنة من الرسول صلى الله عليه وسلم كما تقبلوا القرآن الكريم إستجابة لله ورسوله.     
وإن للحديث النبوي منزلة عظيمة من الدّين ؛ كما عرّفه أهل العلم، فلم يكن عجبا بأنهم اهتموا بالحديث النبوي وبذلوا جهداً عظيماً فيه. ولقد كانت عناية علمائنا الأوائل بالسنة الشريفة عناية كبيرة تتناسب مع مكانتها من الدين.
لقد وجدنا كثرة المصنفات التي استخدم مصنفوها الأحاديث النبوية في بحثهم سواء كانت خالصة فيها أو ممزوجة بأقوال العلماء أوآرائهم. والكتب التي استشهد المصنفون فيها بالأحاديث النبوية ذكرت فيها أحيانا مصادر الأحاديث وأسانيدها حتى نستطيع ان نراجع سرعانا إلى المصادر الأصلية التي تذكر فيها تلك الأحاديث، ولكن وجدت تلك الكتب أحيانا أخرى بدون ذكر مصادر الأحاديث وأسانيدها، إذن صعبت علينا معرفة مواضع تلك الأحاديث.
وبالنسبة إلى هذه الحال، قد دفعتني الرغبة في خدمة السنة الشريفة والأخبار النبوية المنيفة الى اختيار موضوع رسالتي في تخريج الأحاديث الواردة في كتاب مفاهيم يجب أن تصحح ودراسة أسانيدها. وذلك لما اطلعت هذا الكتاب وجدت أن المصنف السيد محمد بن علوي بن عباس المالكي المكّي الحسني ذكر أكثر الأحاديث بمتونها فقط دون أسانيدها تماما، وقد يذكر المصنف منبع الأحاديث ولم يصرح درجته ، وقد لم يذكر مصدر الحديث ولم يصرح  هل الحديث صحيح أم لا. وهذا لم يتيقن علينا لأنا لم نستطع معرفة درجة الأحاديث من حيث القبول أو الردّ، ولو كان بعض الأحاديث مذكورا مع مخرجيها ومصادرها.
       فقد كثر الكلام عن السيد محمد بن علوي بن عباس  المالكي المكي الحسني وكتابه مفاهيم يجب أن تصحح ،  خادم العلم الشريف بالبلد الحرم . منهم من تشدّد في رد رأيه وهجمه هجوما شديدا من النواحي ، ومنهم من دفعه دفاعا الولد لوالده .
       فإن مكانة السيد المالكي عظيمة بين الناس ، خاصة بين العلماء وطلاب العلم بإندونيسيا. وخاصة أيضا لعلماء الجمعية نهضة العلماء . فهو الغرض الأول لطلبة العلم الذين أرادوا التعمق في العلوم الشرعية والدينية. وكذلك أبناء الشيوخ بإندونيسي ، توجهوا للسيد ومعهده في البيت الحرم طلبا للعلوم الشرعية . ومن ناحية أخرى ، لم تعطى المملكة السعودية للسيد المالكي حقه .
       فأوّل ما دعاني اختيار هذا الموضوع هو ما كتبه الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن آل الشيخ في مقدمته للكتاب "هذه مفاهيمنا رد على كتاب مفاهيم يجب أن تصحح " الذي ألفه الشيخ ، حيث قال : "وفي كتابه من التدليل لشبهه المتهاهفة بالأحاديث الموضوعة ، والواهية ، والمنكرة ، والباطلة والضعيفة جدا ، والضعيفة شيئ كثير . وكثير منها يستدلّ به بتعسف مع وهاء الدليل وضعفه".[4]
       وفي المقالة الأخرى الذي كتبه الشيخ سفر بن عبد الرحمن لحوالي رسالة بموضوع "مجدّد ملة عمرو بن لحي وداعية الشرك في هذا الزمان" وهو كتاب ألّفه ردا للسيد المالكي حيث كتب : "والمؤلف مع أنه يحمل شهادة الدكتوراه في الحديث ومع اطلاعه على كلام شيخ الإسلام - بدليل نقله عنه في الكتاب - أصر على تنكب طريق الحق وضرب صفحا عما يعلمه من تحريم الاستدلال بمثل هذه الروايات ،  بل  نقل هو في كتابه هذا صفحة " 69 " عن الشوكاني قول الحافظ رحمه الله : أكثر متون هذه الأحاديث موضوعة . نعوذ بالله من عمى البصيرة ‍‍."[5]
      ومن ناحية أخرى ، وجدنا في هذا الكتاب أن المؤلف يكثر في استعمال الأدلة من الأحاديث النبوية والمواقع بين الصحابة وعلماء السلف . حيث أن الأحاديث التي ذكرها المؤلف لا تكون مذكورة بالمتون وأسانيدها كاملة . ولكنه ذكر الراوي من الصحابة فقط . قد يذكر مصدر الأحاديث من كتب المتون ، وكثيرا ما لم يذكر مصادرها . وكذلك لم يبين المؤلف درجة الحديث ؛ من حيث الصحة ، أو الحسن ، أو الضعف ، أو غير ذلك . وذلك يجعل القارئ لم يتيقن بأقوال المؤلف وآراءه . مع أنه ينبغي للمؤلف أن يبين مصدر الديث الذي استعمله مع درجته . وهذا من الأمانة العلمية في التأليف .
       وفي مقدمة كتابه "مفاهيم يجب أن تصحح" قد فتح الشيخ المالكي المكي مجالا لمن يريد البحث والنظر والمراجعة للأحاديث الواردة في ذلك الكتاب وقال : "وهذا باب واسع وميدان فسيح ، ومئات الأحاديث التي من هذا النوع تنتظر من يخدمها ويحققها ويخرّجها".[6]
وكتاب مفاهيم يجب أن تصحح الذي نحن بصدد دراسة أحاديثه قد بلغ عدد أحاديثه تسعة وثمانيين ومئتين (289) حديثا مرتبّةً حسب ترتيب الموضوع. ذكر السيد في هذا الكتاب ثلاثة أبواب ؛ في العقيدة ، في المباحث النبوية ، والمباحث المختلفة . وفيها مسائل كثيرة في كل مسألة أحاديث وأقوال العلماء فيها. ومن المسائل التي يبحث فيها منها: التحذير من المجازة في التكفير ، مفهوم التوسل ، مفهوم البدعة الحسنة والسيئة ، الشفاعة ، مفهوم التبرك ، الحياة البرزخية ، شدّ الرحال ، وغير ذلك.  
ثم إن الذي جعلني أختارُ كتاب مفاهيم يجب أن تصحح محلاً لمبحثي دون غيره هو ما امتاز به من شهرة واختصار وكون هذا الكتاب مهمًّا جدًّا حتى اعتمده أكثر المسلمين خصوصا لأعضاء جمعية  " نهضة العلماء (NU)" اعتمادا قويا وقد جعل هذا الكتاب أيضا أحد مراجع التعليم في المعاهد الإسلامية بإندونيسيا.
وهو كتاب يتكلم عن أمور يكثر فيه اختلافات والمجادلات بين علماء الإسلام منذ سنوات ماضية حتى في زمننا الآن . حيث يبحث فيه مسألة التكفير ، الواسطة الشركية ، الأشاعرة ، معنى ومفهوم البدعة ، مفهوم التوسل ، والتبرك ، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، والحياة البرزخية ، وغير ذلك أمور مهمة تتعلق بالمجتمع ، خاصة الإندونيسيين .
المشكلات واختلاف الكلام في تلك الأمور تجعل الأمة متفرقة . حيث قالت الجمعية للأخرى أنهم من أهل البدعة وأهل الشرك والكافرين . وقالوا أن الآخرين قد خرجوا من الإسلام . ولهذا يجب علينا أن نبين المسألة ونراجعها للمصدرين الأوليين في الإسلام وهما القرآن والسنة النبوية فهما جيداً صحيحا.ً وقد قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59).[7]
وهذه الأمور التي تشجع الباحث أن يقوم بتخريج ودراسة أسانيد الأحاديث النبوية الواردة في كتاب مفاهيم يجب أن تصحح حتى تعرف مواضع الأحاديث في كتب السنة وروياتها وأسانيدها ومراتبها من الصحّة أو غيرها.


[1] سورة الفتح، أية : 10.
[2] سورة المائدة، أية :92.
[3] سورة النساء، أية :80.
[4] مقدمة "هذه مفاهيمنا ، رد مفاهيمنا رد على كتاب مفاهيم يجب أن تصحح" ، الشيخ آل الشيخ،  ص . 6 ، نشرته الرئاسة العامة لإرادات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ، المملكة العربية السعودية ، 1406 هـ.
[5] مجدّد ملة عمرو بن لحي وداعية الشرك في هذا الزمان ، الشيخ سفر بن عبد الرحمن لحوالي ، ص 5 ، نشره دار الايمان القاهرة ، الطبعة الاولى 1421 هـ.
[6] مقدمة مفاهيم يجب أن تصحح ، السيد المالكي الحسني ، ص. 10 ، الناشر : هيئة الصفوة ، إندونيسيا.
[7] سورة النساء : 59.

No comments:

Post a Comment